لوموند الفرنسية تكتب: مأرب .. نبتة الفطر التي تنمو سراً و بهدوء  في ركن الصحراء 
الموضوع: مأرب في الإعلام

 

 

لويس امبيرت / لوموند الفرنسية

مأرب ( اليمن ) 

 

  خلال ثلاث سنوات من الصراع ، تختفي الدولة اليمنية ويتجزأ البلد بينما مدينة مأرب تستفيد وتتمتع باستقرار نسبي، وهذا الوضع النادر جذب المواطنين إلى مأرب من كافة مناطق الشمال، وكلما استمرت الحرب ، كلما ازدهرت مدينة مأرب.

 

فالدولة الحاضرة في مدينة مأرب أصبحت الصوت الذي بالكاد نسمعه في المحافظات اليمنية الأخرى.

 

في مأرب عليك أن تصغ جيداً للمحافظ سلطان العرادة، وهو يستقبلك مبتسماً ومرحباً في المجمع الحكومي، حتى وقت متأخر من الليل وسط حراسة مشددة حيث تنتشر نقاط تفتيش وحواجز أمنية ورجال مسلحون بين أشجار النخيل.

 

يمثل المحافظ العرادة ، 1959م، رجل دولة يحظى باحترام واسع حيث ينحدر العرادة من قبيلة عبيدة وهي قبيلة عريقة لها حضور في المنطقة.

 

ويعتبر العرادة محافظاً لمحافظة مأرب التي كان يقدر سكانها ب 40000 نسمة قبل اندلاع الحرب في 2014 م .

 

وتقع المنطقة القبلية مأرب شمال شرق اليمن حيث تواجدت القاعدة فيها سابقاً، ويصف موظف لدى محافظ صنعاء أبناء مأرب بأنهم "بسطاء وطيبين "

 

وبالرغم من أن الدولة مشتتة خلال 3 سنوات الحرب ، إلا أن مأرب تحتل أهمية قصوى حيث تضاعف عدد السكان بنسبة أربعة أضعاف، لكننا لم نحصل على رقم نهائي عن سكان هذه المحافظة بعد الحرب.

 

إن ما يهم هو أن تكون مأرب في سلام في ظل وضع فريد تحسد عليه، حيث جذبت المدينة حتى الآن أعداداً كبيرة من النازحين من كافة مناطق الشمال.

 

وقد نزح الكثير في ظل الأزمة الإنسانية بحثاً عن الأمان ولقمة العيش حيث يعد هذا في نفس الوقت فرصة لمأرب لكي تزدهر.

 

مأرب اليوم أشبه بنبتة الفطر .. تنمو سراً و بهدوء في ركن الصحراء، ويبدو أن المستقبل يبتسم لمأرب رغم أن الحرب لم تنته بعد.

 

والعرادة رجل حصيف ، وقد نلاحظ ذلك من خلال علاقاته المتميزة مع أصحاب النفوذ في محافظته.

 

الحوثيين يسيطرون على صنعاء

وتبعد العاصمة صنعاء عن مأرب ، حوالي 170 كيلو إلى الغرب ، لكن صنعاء لاتزال تحت سيطرة المتمردين الحوثيين القادمين من الشمال والذين اقتحموها وسيطروا عليه عام 2014 م .

منذ اغتيال صالح أصبح الحوثيين المسيطر الوحيد على العاصمة صنعاء وكذلك على الشمال، القلب التاريخي للبلد، والأكثر سكانا باستثناء ملحوظ لمحافظة مأرب.

 

وقد فر عدد من العسكريين والمقربين لصالح باتجاه مأرب للنزوح هرباً من سياسة التطهير التي يمارسها المتمردين.

وقال المحافظ العرادة: "نحن نرحب بكل النازحين من ظلم الانقلابين ونوفر لهم أماكن, سواء من العسكريين أو المدنيين "

 

وبالرغم أن الحرب أرغمت ملايين اليمنيين على مغادرة منازلهم، ولجئوا إلى مدينة مأرب، إلا انه لا يوجد مخيمات إيواء بل إن النازحين يسكنون في مباني المدينة. 

وبسبب الطلب المتزايد على المباني السكنية، فقد استفاد أبناء مأرب اقتصادياً من خلال تأجير المباني، وانتقلوا للسكن في الريف، وقد يصل تكلفة إيجار شقة في قلب مدينة مأرب بالشارع العام إلى 500 دولار، حيث يعتبر سعر باهض جداً في أفقر بلد عربي.

 

ويقوم الهلال الأحمر الإماراتي وصندوق الملك سلمان للإغاثة الإنسانية بتقديم المساعدات الغذائية ، كما تقدم اليونيسيف المساعدات التعليمية للأطفال، لكن مستشفى الهيئة الرئيسي بمدينة مأرب يفتقر إلى أسطوانات الأكسحين وأدوات الجراحة والمضادات الحيوية ولا تزال ميزانيته المعتمدة قبل الحرب دون تغيير.

 

ونجد أن انتشار وباء الكوليرا محدود في مأرب حيث سجلت 6 حالات وفاه فقط، بحسب مدير المستشفى محمد القباطي.

ويلخص مندوب منظمة مواطنة الحقوقية في مأرب صدام الأدور الوضع قبل الحرب بالقول "كانت مأرب عبارة عن شارعين ودوار وسوق.

 

ويأتي سكان القرى إلى هناك عندما كانوا يتعاملون مع الإدارة لإنجاز معاملاتهم ، حيث لم يكن المسئولين الإداريين من السكان الأصليين للمحافظة".

وتقع المحطة الغازية لتوليد الكهرباء الرئيسية في اليمن على بعد40 كيلومترا فقط من مدينة مأرب، لكن ورغم ذلك القرب إلا أن الدولة سابقا لم تقم بتوصيل التيار إلى مأرب.

 

والآن كهرباء مأرب من مولدات تعمل بالوقود، لكن ذلك سيتغير في غضون ثلاثة أو أربعة أشهر من خلال تجهيز المحطة الغازية لمأرب ، حسب تأكيد المحافظ.

 

الغاز للمدنيين

قام العرادة بالتفاوض مع الدولة على آلية توزيع جديدة فيما يخص العائدات النفطية في المحافظة، منها 20٪ تعود الآن إلى خزينة محافظة مأرب.

 يقول المنسق في شركة النفط عبدالرزاق النقيب "نبذل جهود كبيرة جدا لإنتاج 8000 برميل من النفط الخام يوميا – وبالكاد تصل إلى 10٪ من قدرتنا قبل الحرب".

 

 أما بالنسبة للغاز، فقد توقفت شركة توتال عن نقله من مأرب إلى مصنع الغاز المسال في ميناء بلحاف عام 2015، المملوك للمجموعة الفرنسية بنسبة 40٪، وكانت تمثل هذه الصادرات قبل الحرب دخلاً كبيراً، فقد وفرت نحو 2.5٪ من السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال، وتأمل مأرب يوماً ما أن تستفيد من ثروتها.

 

وإلى أن يعود الغاز الطبيعي المسال إلى المحيط الهندي، تنتج مأرب أسطوانات الغاز المحلية للمدينة وكذلك صنعاء.

 

ويذهب نحو 60٪ من الإنتاج إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردين، ووفقا للنقيب فإن:" الغاز هو للمدنيين ولا علاقة له بالحرب"، وهذه واحدة من مفارقات هذا الصراع.

 

 لم يتم قطع التواصل أبداً مع العاصمة، و يعبر اليمنيون باستمرار عبر الجبهات المتوقفة جزئياً منذ عامين والمنتشرة فيها الألغام، ولكنها ليست نشطة جدا.

 

وتقوم طائرات التحالف السعودي أحياناً بضرب نقاط تفتيش للمتمردين، ويتم احتجاز الشباب بطريقة مشددة في منافذ كل طرف، ولكن تجار القات، وهو نبات منشط له خصائص قريبة من الأمفيتامينات، يمروا دون احتجاز.

 

يقول تاجر القات في مأرب بشير الصمدي ، 31 عاما، "سبق أن قرر الحوثيون منعهم من المرور، لكنهم اضطروا للتخلي عن ذلك ،فالفلاحون كانوا يهددون بمواجهة هذا القرار بكل الوسائل.

 

وفي نفس الطريق العام، ننقل قصة أم الطالب البناء الذبياني، يبلغ من العمر 22 عاما يعيش في مأرب مع إخوته وأخواته، يذكر أن والدته تم احتجازها أربع مرات منذ عام 2015 وهي في طريقها لزيارة أطفالها لكنها ترفض مغادرة العاصمة نهائيا. 

"إذا تركت المنزل فارغ في صنعاء، سيأخذه شخص ما"، يخشى الشاب.

 

وتعيش الأسرة بصعوبة في مأرب كونها تعول على راتب وحيد، راتب الأخ الأكبر الذي يعمل كمعلم، ويستمر البناء في متابعة دراسته في تخصص المحاسبة بجامعة مأرب.

ويمر الطلاب بجامعة مأرب أحيانا بظروف أكثر صعوبة، لكن الحرم الجامعي الآن يبعث أجواء شيقة، وقد أعيد فتحها بعد انتهاء الحرب في عام 2016 حيث تم إعلانها جامعة مستقلة عن جامعة صنعاء.

 

وبسبب هجرة الأدمغة، يأتي أكثر من 40٪ من أعضاء هيئة التدريس من أماكن أخرى .. "هيئة تدريس لا تكلف كثيرا"، يقول مسؤول في المحافظة .

ولايزال من المرجح وصول نازحين جدد بعد سحق مؤيدي صالح في صنعاء.

 

 ونشير إلى أن عدم التنظيم قد أثار بعض السخط في أوساط السكان المحليين. "إنها مزدحمة جدا هنا!".

 تلميذ من مأرب منزعج من ضيق القاعات الدراسية، وجدناه في نوع من الحاوية، تم تحويلها إلى فصول دراسية لعدم وجود مساحة في الفصول الدراسية.

 

غير أن السكان المحليين يوافقون على أن هذه الأزمة تخلق فرص عمل كثيرة، وقد فتح رجال الأعمال الفنادق والمدارس الخاصة، وأصبح في المدينة أشياء متوفرة لم تكن تعرفها من قبل مثل محلات الآيسكريم ومحل هامبرغر .كما تنمو مصانع الإسمنت الصغيرة في مأرب حيث يقدم النازحون لهم العمالة الرخيصة.

 

وقال محمد زبين، البالغ من العمر 26 عاما، وهو المسؤول عن تطوير شركة زتكو التي تتخذ من الإمارات مقراً لها: "لم نر هذا هنا قبل عامين". 

ولد زبين في مأرب، معقل عائلته وتخرج حديثاً من الجامعة الأمريكية في دبي، ثم عاد لإدارة مشروع عقاري بتكلفة 10 مليون دولار، وهو عبارة عن مباني سكنية، ومراكز تجارية. 

 

في المدخل الشمالي الغربي للمدينة، في مكتب بمظلة محملة بالغبار، يمكن للجميع حجز حصتهم من مدينة سبأ، وهي أرض شاغرة كانت تحت حكم الملكة الأسطورية من سبأ والمملكة السبئية، التي كانت عاصمتها مأرب حتى نهاية القرن الخامس.

افتتحت عائلة محمد ال زبين أول مركز تجاري في المدينة في مأرب عام 2006، وتراهن عائلة زبين أن تكون مأرب ملاذاً آمناً بشكل دائم.

 

وأضاف زبين: "نحن نعرف أن هناك نهاية لهذه الحرب، على الأكثر خلال عشر أو خمسة عشر عاما، ولكن النازحين لن يعودوا إلى ديارهم، ويتوقع مكوثهم باستمرار، لكن الذي لن يتغير هو الفساد وعدم كفاءة السلطات المحلية. "

قد تكون سلطات مأرب هي الوحيدة في المناطق المؤيدة للحكومة اليمنية تمارس سلطة حقيقية وتوافقية بشكل نسبي، ومع ذلك ليست خالية من النقد.

 

ويتمتع المحافظ العرادة بعلاقات متينة مع الأمارات، وقد سبق وأن تعهد الأمير محمد بن زايد بتمويل بناء مطار جديد لمأرب بدلاً من المدرج القديم الذي لم يهبط على أرضيته إلا كثبان رملية.

 

نقطة التحول

في صالة المستشفى الرئيسي بمأرب من الصعب أن تمر في وسط الزحام، وفي سلم الدرج تقابلك قضبان حديدية عسكرية، وفي الممرات قد تلتطم قصبة كلاشنكوف بوجهك لكثرة المسعفين المرافقين لزملائهم من الجنود .

يوجد داخل المستشفى المكتظ جدا بالمرضى، 117 حالة مرقدة من إجمالي 120 سرير مخصصة للتنويم بالمستشفى أكثرهم من العسكريين.

 

ولازالت المواجهات تدور رحاها على بعد 30 كيلو غرب المدينة في مديرية صرواح.

 

بعد موت صالح تبقى المعسكرات بمأرب حذرة، وفي الجبهة المحاذية للحدود السعودية بمحافظة الجوف أحرزت القوات الموالية للحكومة تقدماً بسيطا، أما الجبهة التي لازالت في غرب مأرب فلم تتحرك منذ عامين حيث أن المعارك بين مأرب وصنعاء لم تحقق تقدماً كبيراً بل إنها توقفت.

 

ووفقاً لمصدر عسكري في الرياض فإن" هنالك قليل من الجرحى والقتلى نتيجة المواجهات بين الحين والأخر"، ولازالت الحرب مستمرة حيث الجيش يستلم التمويل وكأنه استمرار لاقتصاد الحرب.

ونادراً ما تجد مراكز صحية على طول الطريق لكنها غير مجهزة ، ولهذه الأسباب توقفت المعارك في الجبهات فليس لديهم السعة الكافية لاستيعاب المصابين ،" يوم أو يومين من المواجهات تجعل المستشفى يمتلئ على الأخر" حسب ما اخبرنا الدكتور محمد القباطي مدير المستشفى .

 

  فشل ذريع

الشيخ المؤثر مفرح بحيبح ،الذي اشتهر بدوره البارز في فض النزاعات وكرجل سلم يقول: " بعد أن استولى الحوثيون على صنعاء اعتقدنا أنهم اخذوا الدرس من جور الحروب التي كانت ضدهم في صعدة وسيظهرون، بتعامل أفضل، لكنهم فشلوا فشلا ذريعاً، وفقدوا التعاطف الشعبي لانهم يسعون إلى استنساخ نموذج حزب الله اللبناني الحليف الأبرز لدولة إيران الشيعية".

 

واكد بحيبح " الحوثيون يعارضون الجميع، ووضعوا الجميع أمام خيارين إما ان تغادر هرباً من قمعهم أو تموت في حالة رفضك لهم " .

يذكر أن الحوثيين حاصروا مدينة مأرب بين أبريل وسبتمبر 2015 قبل ان يتم دحرهم بعد ذلك.

 

 

لويس امبيرت

  • المادة منقولة بتصرف عن لومند .. وترجمة خاصة بموقع محافظة مأرب
مأرب - ترجمة خاصة
السبت 31 مارس - آذار 2018
أتى هذا الخبر من محافظة مأرب:
http://marib-gov.com
عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
http://marib-gov.com/news_details.php?sid=345