آخر تحديث:- منذ 14دقيقة
الجمعة 29 مارس - آذار 2024

القاء نظرة على حرب اليمن
وكالة الأنباء الإنسانية: مذكرات مراسل من مأرب وسط المدينة

الإثنين 22 يناير-كانون الثاني 2018 الساعة 09 مساءً / مأرب - ترجمة خاصة

أني سليمورد-وكالة الانباء الانسانية


في المدينة التي تقدم نفسها معقلا للاستقرار والأمان في أتون الحرب، لا تزال الأزمة الإنسانية في اليمن (التي تسميها الأمم المتحدة الأكبر في العالم) واضحة. ينبغي عليك فقط ان تلقي نظرة من بين الحطام لرؤية هذا.
في وقت ما في الماضي البعيد، ذهبت العديد من الأساطير ان ملكة سبأ (بلقيس في اللغة العربية) حكمت مملكة ثرية في مكان يقع وسط اليمن في الوقت الحالي.
إن ما فعلته بلقيس، سواء كانت حقيقة أم لا، يختلف وفقا لما هو موجود في النص الديني والسجل الأثري، ولكن ماضيها حاضرا بقوة في يمن اليوم.
"ويستشهد السياسيون والأكاديميون وزعماء القبائل بالملكة سبأ كمثال على ازدهار البلاد في الماضي حيث لم يكن من قبيل المصادفة ربما عرض أطلال عرشها على مجموعة من الصحفيين والباحثين الغربيين (منهم انا) في وقت سابق من هذا الشهر في مدينة مأرب التي تزدهر على حد سواء بفضل الحرب الطويلة في اليمن وعلى الرغم منها".

ويعتبر هذا المعبد ، ذو الأعمدة الحجرية الشاهقة والمنحوتات المكتوبة بنصوص قديمة ،نوعاً من أنواع الأماكن الذي يمكن ان تتوه فيها لولا الرجال المسلحين الذين يحيطون بالموقع (لحمايتنا) وتعليماتهم السريعة بالمغادرة.

 

كان الواقع المتناقض الذي يدور في رأسي أن اليمن اليوم لا يعيش فقط في حالة حرب ولكن أيضا في خضم كارثة إنسانية تناقض الثروات التي كانت تشتهر بها الملكة بلقيس.
يقاتل التحالف بقيادة السعودية مع القوات الموالية للرئيس المعترف به دوليا الرئيس عبدربه منصور هادي المتمردين الحوثيين إلى جانب المقاتلين الموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح لأكثر من عامين ونصف العام.

 

فقد تمكن مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية من تأمين تأشيرات وتنظيم زيارة كنت أنا ضمنها إلى واحدة من المناطق الأقل تضرراً في اليمن .
"كانت الزيارة إلى مأرب، المدينة التي تنمو وتقدم نفسها كجزيرة من الهدوء وسط بلداً يعيش حالة انهيار. وتعتبر المدينة آمنة نسبيا بفضل النفط، والسياسات القبلية والمحافظ المؤثر الذي تربطه علاقات مع الأسرة الملكية الحالية في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى كونها مقراُ رئيسياُ للجيش، على الأقل بالنسبة لأولئك المتعاطفون مع احد اطراف الحرب".
وقد استمعت إلى أحاديث عن الازدهار ومراحل تطور الحرب، وذهبت إلى الأماكن التي استطعت الوصول اليها لكنني لم أرى أي ملامح للأزمة أو الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في البلد الذي يوشك على الغرق في المجاعة.

وكما ذكر لي مؤسس مركز صنعاء ورئيسه فارع المسلمي بعد الرحلة: "من العادات اليمنية أن تخفي الألم وتبالغ في صفاتك الجيدة ... وليس لأنك لم تشاهدي ( الازمة بصورة كاملة) يعني أنها غير موجودة ".


يقال إن انهيار سد مأرب، قبل حوالي 575 م، الذي يٌعزي الى الفأر، كان السبب في تدفق عشرات الالاف من الناس إلى شبه الجزيرة العربية –التي تعتبر أحد أزمات اللاجئين الأولى في العالم .

إن السد اليوم ممتلئ بما فيه الكفاية ويعمل على ما يرام مما يسمح لعدد قليل من الناس للسباحة والطفو باستخدام الإطارات المطاطية.
يقول لنا خبراء ان مياه السد تستخدم للري لكن المياه في مدينة مأرب تمر على الأقل في فندقنا الخاضع لحراسة مشددة ،عبر الصنابير حتى أن هناك مصنع لتعبئة المياه.
ولكن حقيقة أن المياه هي ثمينة وشيء للاستعراض يظهر ببساطة حجم النقص في بقية البلاد.

 

وقد دمرت سنوات الصراع أنابيب وأنظمة الصرف الصحي في بلد عانى بالفعل من النقص -حيث يعتمد العديد من اليمنيين الآن على مياه الشرب المنقولة بالشاحنات، وهناك تحذيرات طويلة من أن المياه في العاصمة صنعاء يمكن أن تنفد ببساطة. وحتى قبل الحرب، لم يكن لدى نحو نصف سكان اليمن البالغ عددهم 27.4 مليون إمكانية الحصول على مياه الشرب الصالحة بصورة منتظمة.
وفي الآونة الأخيرة، انتشرت الكوليرا عبر الانابيب في اليمن، مما أسفر عن وفاة 2020 شخصا منذ أبريل واصابة 920،000 حالة مشتبه . لكن ليس في مأرب، حيث يوجد 6436 حالة مشتبه فيها وسبعة وفيات فقط في المحافظة ككل.

أوراق في نافذة المدرسة
"وقال المحافظ العرادة، الذي يرتدي خنجرا شعبيا حول خصره، وثوبا أبيضا مع سترة ،بالإضافة الى نظارات وشال مربوط على رأسه، أن محافظته ترحب بالوافدين الجدد حيث تحولت إلى ملاذ لمعارضي تحالف الحوثي و صالح، وتحتضن العديد من الأفراد المرتبطين بالجيش."
"و ذكر المحافظ العرادة إن عدد سكان المدينة قد تضاعف حيث كان عدد سكان محافظة مأرب 300 ألف نسمة قبل الحرب، يقطن حوالي 17 ألفا منهم في المدينة. ومن الصعوبة تقدير الأعداد اليوم لكن الكثير من الناس الذين تحدثت معهم في الجامعة والمستشفى المحلي جاءوا من أماكن أخرى".

 

وقد شردت الحرب أكثر من مليوني شخص من منازلهم في جميع أنحاء اليمن ، وكثير منهم إلى مخيمات أو مساكن حيث انتشار المرض وشح المساعدات الغذائية والطبية. وقال المحافظ إن وضع النازحين في محافظة مأرب، البالغ عددهم 73000 الف حسب تقديرات الأمم المتحدة، يختلف عن أماكن أخر حيث لا يقيمون في مخيمات.
"واضاف "لا أحد ينظر الى الوافدين الجديد من مناطق أخرى في اليمن إلى مأرب على أنهم غرباء، بل انهم يندمحون مع أبناء مأرب... وقد فتحت لهم الابواب للعيش جنبا إلى جنب".
صحيح أن الكثير من الناس يستأجرون سكن أو يقيمون مع العائلة او مع الأصدقاء في مأرب، حتى لو كانت أماكن إقامتهم ليست كالتي اعتادوا عليها مثل أفنان ياسين البالغة من العمر 19 عاما، والذي التقيت بها في قاعة علوم الكمبيوتر في جامعة مأرب.
"حيث قالت إن عائلتها فرت من منزلها في محافظة إب "بسبب الحرب، و[خطر]التعرض للاختطاف، وبسبب المضايقة من الحوثيين".
ولكن عائلتها ،المكونة من خمس شقيقات وشقيقين، بالإضافة الى الوالدين ويسكنون جميعهم في غرفتين -تعتبر محظوظة لكونها قادرة على استئجار شقة. وفي جولة عبر المدينة في موكب محاط بالجنود ، توقفنا لمدة دقيقة - بسبب حركة المرور - بجانب كلية المجتمع التي هي قيد الإنشاء.

 

كانت البنايات غير مكتملة بعد ، أستطيع أن أرى الاغطية والأقمشة من خلال نوافذ المباني الجديدة. "نعم، يوجد نازحين هناك"، قال دليلنا عندما سئل. لم يكن المبنى الوحيد في مأرب الذي يظهر القماش على النوافذ.
وفي المحافظة ككل، أحصت الأمم المتحدة 112 من الملاجئ المؤقتة - فضلا عن 64 "مراكز جماعية" حيث يعيش النازحون في المباني غير المكتملة والمدارس وما شابه ذلك.
وقال العرادة إن وكالات الإغاثة أرسلت المواد الغذائية وأحيانا الملابس والأدوية، وحتى هو الذي كان يستعرض نمو المدينة (التي كان فيها ثلاث طرق فقط قبل الحرب حسبما قيل) اعترف بوجود تحديات: "كثير من الناس بالكاد يبقون على قيد الحياة. انهم على حافة الهاوية ".


وكانت الفصول الدراسية ممتلئة بالطلاب في جامعة مأرب المحلية. وتدرس ياسين للحصول على شهادة جامعية حيث وتشكل الطالبات أغلبية في قاعات محاضرات الفيزياء والأحياء.

وقال مسؤولون ان 5000 طالب التحقوا بالجامعة العام الدراسي الحالي مقابل 1200 طالب السنة الماضية. ويوجد مباني جديدة مخصصة للجامعة قيد الإنشاء في أماكن أخرى ، ناهيك عن كلية المجتمع المذكورة آنفا.
لكن الحرب قد تسربت إلى الفصول الدراسية ايضا .حيث لا يُدرس استاذ اللغة الانجليزية والدراما محمد حمود صبري ، الذي انتقل إلى قاعة مؤقتة مصنوعة من الألومنيوم بسبب ازدحام القاعات ، طلابه النصوص فقط بل كيفية فهم الحرب التي قتلت الآلاف من المدنيين الأبرياء ومزقت مجتمعهم.

وقد تفاخر مدير المستشفى الدكتور محمد القباطي بأن مرفقه (كانت هذه منطقة نزاع حتى وقت قريب نسبيا) يقدم العلاج مجانا.


بالنسبة لنظام الرعاية الصحية في اليمن فأنه آخذ في الانهيار كما لم يستلم الموظفون الصحيون أي راتب منذ عام في مناطق أخرى من البلاد.

وبالعودة إلى داخل المستشفى، ستة أشخاص يبدو انهم جنود داخل غرفة بعد سفرهم لمدة ساعات من خط الجبهة ،ومنهم من فقد أطراف والذباب تحوم فوق الضمادات، وفي الغرفة الاخرى مقاتل حوثي يتلقى العلاج تحت حراسة مشددة.

. ان وليمة لحم الإبل اللذيذة، التي تم دعوتنا اليها وكانت مصحوبة بالموسيقى الحية والرقص، تجعلك تشعر بصورة غير عادلة مقارنة بعدد اليمنيين الذين يعانون من الجوع. ولكن بالنسبة لليمنيين - حتى أولئك الذين يعيشون في أسوأ الظروف - فإن أي شيء عدا الكرم و حسن الضيافة للترحيب بالضيف يعتبر عيبا.


فنان يعزف على الوتر ويغني لأولئك الغرباء في مكان ما ليعودوا : "اللي مضيع ذهب بسوق الذهب يلقاه واللي مضيع وطن وين الوطن يلقاه."

 

*نشر بتصرف عن وكالة الأنباء الأنسانية
-نشر بتاريخ 15/11/2017م

ترجمة خاصة بموقع محافظة مأرب

 

 

 

كلمات دالّة

#مأرب