آخر تحديث:- منذ 56دقيقة
الثلاثاء 19 مارس - آذار 2024

مأرب: هنا الدولة.. هنا اليمن

الأربعاء 30 سبتمبر-أيلول 2020 الساعة 09 مساءً / بقلم/ أ. معمر بن مطهر الإرياني

يُقال: "إن عظمةَ الإنسان مرتبطةٌ بعظمة المكان، فأينما التقيا يولدُ التاريخ العظيم".
هنا في مأرب وجدتُ التاريخ العظيم شامخًا، يحكي مجد الأجداد وتاريخ لا تزال معالمه شاهدة على حضارةٍ ضاربة في عمق التاريخ، مرددة ما قاله نجلُها الأبر الشاعر الكبير المرحوم عبدالله البردوني؛
شوطنا فوق احتمال الاحتمال
فوق صبر الصبر لكن لا انخذال
نغتلي، نبكي على من سقطوا
إنما نمضي لإتمام المجال
دمنا يهمي على أوتارنا
ونغنّي للأماني بانفعال
مُرّةٌ أحزاننا؛ لكنها
يا عذاب الصبر أحزان الرجال

هذه هي الروح اليمانية التي وجدتُها هنا في مأرب الحضارة والتاريخ. روحًا واحدة موحدة، اليمن ــ كل اليمن ــ في نظرهم هي القيمة التي تنتهي عندها كلُّ القيم؛ المؤتمري والإصلاحي والاشتراكي والناصري والسلفي والمستقل، كلهم جميعًا روحٌ واحدة وموقفٌ واحد، مدافعين عن كرامتهم باستماتة منقطعة النظير ضد المشروع الحوثي الإيراني/ الخميني، رغم المغريات التي تتناوشهم بين الحين والحين، متمسكين بعقيدة الولاء لليمن ولقيادته السياسية ممثلة بفخامة الرئيس المناضل عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية، وهي ــ في واقع الحال ــ ولاءٌ لله وللوطن وللتاريخ.
وهذا هو السر الحقيقي الذي حال دون أن تتقدم مليشياتُ الحوثي شبرًا واحدا رغم تحشيداتها الكبيرة، إلا أنها جميعا انكسرت وعادت تجر أذيال الخيبة والهزيمة أمام صلابة أحفاد تبع وبلقيس.
وهو انتصارٌ تاريخيٌ بقدر ما نتنسّمُ فيه عبقَ مأرب وأبنائها الأبطال نجد فيه أيضا روحَ اليمنِ أجمع الذين وجدوا في مأرب ذواتهم وهُويتهم التاريخيّة العريقة، مجسدين بذلك إشارة الفضول: "قولي لمأرب متى سده يضم السيول"؟؟
فها هي مأرب قد ضمت سُيول اليمن إليها، وغدا ستروي حقول اليمن.
ولا غرابة.. هنا روح اليماني الأصيل.. هنا التاريخ.. هنا مأرب وسُلطانها، هنا القبائل ومشائخها، هنا المثقفون والفنانون والأكاديميون والجنود، وجميعُهم يعملون لليمن، مقدمين أروع نموذج للدولة.
وكادت أن تخنقني العَبرةُ وأنا أرى العلم اليمني يرفرف على بيوت مأرب وفي شوارعها، وصور فخامة رئيس الجمهورية مرفوعة، والجميع متطلعون لليمن الاتحادي الجديد، بأقاليمه الستة، وهو الضمانة القومية الكبرى ليمن آمن ومستقر.
سررتُ كثيرًا وأنا أرى مأرب كأنها خليةُ نحل تعملُ بجدٍ واجتهاد ليل نهار، وقد توافرت فيها خدماتُ البنية التحتية من الماء والكهرباء والصحة والأمن والتعليم والقضاء، وفيها أيضًا المستثمرون الذين وجدوا بيئة خصبة للاستثمار، يحميهم النظام والقانون، بما لهم وعليهم.
وعلى الضفة المقابلة أيضا يستميت أبناؤها، ومعهم رجالات اليمن في الدفاع عن محافظتهم ضد برابرة العصر وهمج الزمان من الكيان الإمامي البغيض المدعوم إيرانياً ، والجميع هنا ممتن للجهود المبذولة من قيادة السلطة المحلية، ومن متابعة فخامة رئيس الجمهورية، ونائبه ودولة رئيس الوزراء لسير العملية التنموية بصورة دائمة.
مأرب التي احتوت ما يزيد عن المليونين نازح من مختلف مدن اليمن وأريافها، من الشمال والجنوب، والشرق والغرب على حد سواء، تذكرنا بنخوة وكرم اليمني الذي لا حدود له فقد شاركوا مع إخوانهم الدار الواحد والرغيف والمصير، وكأني بملوك تُبّع قد انبعثوا من جديد، فقد منح العديدُ من شيوخ ورجال مأرب الكرام الكثيرَ من أراضيهم لمن أراد أن يبني بيتا من النازحين، وقالوا لهم: هذه أرضكم ونحن أهلكم، ولعمري فإن هذا هو النبل العربي السبئي الحميري الأصيل.
وقد خلقت هذه المبادرات الإنسانية الرائعة انعكاسًا إيجابيًا كبيرًا لدى النازحين الذين وجدوا أنفسهم بين إخوتهم وأهلهم، ووجدوا أنفسهم منتمين ــ بكل صدق وحب ــ للأرض الجديدة التي التحموا بها، وقد أصبحت جزءا من ذواتهم.
موقف آخر لفت انتباهي بقوة، وكان من أجمل ما شاهدت، وهو أسراب الطلاب والطالبات وهم يذهبون إلى مدارسهم ويرددون في طابور الصباح تحية العلم الوطني، وكذلك انخراط وتنافس الطالبات والطلاب على التعليم الجامعي، محتفين بالقلم والكتاب، وفي الحقيقة فإنه احتفاء بالنور وبالضوء وبالمستقبل المشرق.
مأرب اليوم.. يدٌ تبني، ويدُ تدافع، رغم محاولات التشويه التي تريدُ النيل منها والإساءة إليها، لخلق ذريعةٍ للأعداء للتسلل إليها أو الانقضاض عليها، ولكن هيهات، هيهات، فأنوار الحقيقة لا تحجبُها خيوط الظلام.
وفي مأرب.. وجدت المواقف الأخوية النبيلة وعطاء الأشقاء في المملكة العربية السعودية الذين مثلوا العون والسند لإخوانهم اليمنيين، وبالمقابل لم أجد للشائعات والإرجافات التي يرددها البعض تجاه المملكة أي أثر، فالأشقاء يحترمون القوانين اليمنية النافذة، ولم يحصل أن فرضوا أية أجندات أو وصايات يومًا ما على أحد، ولا يسعنا هنا إلا تقديم الشكر وبالغ الامتنان لهم، ولجهودهم التاريخية التي سيسطرها إخوانُهم اليمنيون ملاحم من نورٍ في سفر التاريخ، ومثل هذه المبادرات ليست غريبة على المملكة العربية السعودية، فهي حقيقة كائنة منذ عقود طويلة، واليمنيون يقدرون هذا الصنيع؛ ذلك أن أمن المملكة من أمن اليمن، وأمن اليمن من أمن المملكة، مهما حاول البعض النيل من هذا التكامل الجغرافي والتاريخي والإنساني العريق.
باختصار.. في مأرب وجدتُ نموذج الدولة.. ووجدتُ اليمن.

• وزير الإعلام

* نقلا عن الثورة نت

كلمات دالّة

مأرب